العقرب الاسود Admin
عدد الرسائل : 971 السٌّمعَة : 11 نقاط : 430 تاريخ التسجيل : 02/07/2008
| موضوع: رسالة الغفران الأحد يوليو 06, 2008 1:21 am | |
| رسالة الغفران لابي العلاء المعري
== تنفرد "رسالة الغفران" بمكانة خاصة، ولكنها لم تكن معروفة قبل عام (1899)، حيث نشر المستشرق الإنكليزي "بيكلسون" أنه ظفر بمخطوطات عربية أهمها "رسالة الغفران" ثم قدم بعد عامين وصفاً للمخطوطة، وبعد عامين نشر ملخصها. لكن اكتشاف النسخة الخطية في مكتبة "كوبر يللي زاده" في استنبول ومقابلتها بكل النسخ التي عثر عليها، بينت حقيقة هذه المخطوطة حيث نشر النص المحقق عام (1950)، وأعيد طبعه مرات ومرات. وبداية فإن "رسالة الغفران" قد أمليت في أخريات الربع الأول من القرن الخامس الهجري، فهي من آثار أبي العلاء في الشطر الثاني من حياته، أملاها في صميم عزلته "بمعرة النعمان" وقد بلغ الستين من عمره، تتكون الرسالة من مقدمة وقسمين رئيسيين.
والمقدمة في جملتها من الأمالي اللغوية والأدبية، وقد ساقها "أبو العلاء" بأسلوب الألغاز وهو فن بديعي ولع به أصحاب الصنعة الأدبية في عصره. أما القسم الأول فيبدأ بخبر وصول رسالة "ابن القارح" المفتتحة بتمجيد الله، ومن هذا التمجيد كان المنطلق إلى العالم الآخر.
وإذ يذكر الندامى ما قاله شعراء الدنيا الفانية في الخمر ونشوتها وكؤوسها وأباريقها، يجيء ذكر الأعشى فيتمنون لو أنه كان بينهم فلا يكادون يعربون عن هذه الأمنية حتى يمثل أمامهم "الأعشى" شاباً أحور العينين، ويعجبون لوجوده في الجنة. وقد مات كافراً، ويسألونه بم غفر الله له، فيجيب بأن قصيدته الدالية التي نظمها في مدح الرسول الكريم قد شفعت له فادخل الجنة على ألا يشرب خمراً، لأنه كان في طريقه إلى الرسول الكريم ليسلم وينشده القصيدة، فصدته قريش وحبه للخمر. وينظر "ابن القارح" في رياحين الجنة، فيرى قصرين منيعين، عليهما لافتتان باسم"عبيد بن الأبرص" و "زهير بن أبي سلمى" وإذ يسألهما بم غفر لهما، وقد ماتا في الجاهلية؟ يجيب عبيد أنه نال ثواب بيتهمن يسأل يحرمون وسائل الله لا نجيب)ويجيب زهير بأنه كان في الدنيا ينفر من الباطل وكذلك قوله: فلا تكتمن الله ما في نفوسكم .... ليخفي ومهما يكتم الله يعلم... يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر.... ليوم حساب يعجل فينقم
ثم يرى في أقصى الجنة بيتاً حقيراً وفيه رجل ليس عليه نور أهل الجنة يخبره أنه الحطيئة، وصل إلى الشفاعة بالصدق في قوله: أرى لي وجها قبح الله خلقه .... فقبح من وجه وقبح حامله ويعجب الشيخ، لمَ لم يغفر له بقوله: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه .... لا يذهب العرف بين الله والناس.
وبعد ذلك يلتقي بالخنساء، وهي قريبة من النار، فتخبره أنها أحبت أن تنظر إلى "صخر" فرأته كالجبل الشامخ والنار تضطرم رأسه.
ويلقى ابن القارح في النار إبليس اللعين ، ويدور بينهما حوار عنيف ثم يسأل عن الشاعر بشار بن برد، فإذا هو أمامه يسام سوء العذاب، ولكن عذابه لم يصرف ابن القارح عن مساءلته في أخباره ومناقشته في شعره، ويفعل ذلك مع من لقي من شعراء النار أمثال: (أمرؤ القيس – عنترة العبسي – علقمة – عمرو بن كلثوم – الحارث اليشكري – طرفة بن العبد – أوس بن حجر) حتى إذا قضى من محاورتهم انطلق عائداً إلى الجنة.
ومن الملاحظ أن أبا العلاء في تصويره عالمه الآخر، متأثر بما في البيئة الإسلامية من وصف للحياة الأخرى، كالجنة والنار في القرآن الكريم، والمرويات الإسلامية عن الثواب والعقاب، والشفاعة في كتب الحديث الشريف والتفسير وقصة المعراج ثم ديوان الشعر العربي في الجاهلية وصدر الإسلام بما فيه وصف للمتع والملذات وفنون اللهو والطرب والمتعة، وقد نقلها أبو العلاء إلى جنته وكذلك الأساطير العربية التي عرفت في البيئة الإسلامية. لكن أبا العلاء صاغ عالمه صياغة فريدة لها طابعها المتميز، فلم ينقل شيئا من هذه المرويات، إلا بعد أن ينفذ به إلى أعماق وجدانه ويستجيب فيه لما تنفعل به النفس من أشواق وهموم.
وفيها جديد من الفن الأدبي لم يعرفه النثر العربي قبل "آبي العلاء المعري" وبخاصة هذا الإخراج التمثيلي الذي عرض فيه مشاهد عالمه الأخير كما أن الرحلة تسجل صدى انفعاله بالدنيا وتجربته وعزلته وإنسانية معاناته للحياة وتؤصل فهمنا للحرية، ولحرية الأديب بوجه خاص. حيث كشفت الرسالة المجاهدة الطويلة القاسية لأشواق بشرية وتؤكد أنه لم يسترح قط عن حب الدنيا، ولانفض يديه منها، وكشفت بذلك عن كل ما كان يعانيه ويكابده، وقد حشد في جنته، كل ما خطر على باله وتمثلته بشريته المحروقة المكبوتة من صنوف المتع الحسية والملاذ المادية التي لم يسترح منها إلا بموته سنة (449) ه. | |
|