بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اهدني وسددني
هُمُ الرِّجَالُ فَاصْحَبْهُم
الحمد لله رب العالمين ميز من خلقه من شاء، واصطفى منهم من شاء، وأعز من شاء، وأذل من شاء، يعطي من يشاء ما يشاء، ويمنع من يشاء مما يشاء، له الأمر والنهي، وهو على كل شيء قدير؛ وأصلي وأسلم على سيد الأولين والآخرين، أعزه الله بالدين القويم، ورفع ذكره بعبادته لرب العلمين، وعلى آله الطائعين، وصحبه وعلى من سار على نهجهم إلى يوم الدين وبعد:
فإن الله - تعالى - قد تكفل بحفظ دينه، وشَرَّفَ من شاء من عباده لخدمته، واصطفى من أحب من خلقه لولاياته الدينية، وجعلهم أئمة هدى يستنيرون بنور الوحي، وكان الثبات والعاقبة لهم ما داموا يتعلقون بأسباب التأييد الإلهي، ويبذلون الأسباب لنصرة المنهج الرباني.
إن شرف العمل للدين، والسعي إلى مرضات رب العالمين، هو مما يصطفى الله له من يشاء، ويختار له من أراد من أوليائه، ويجتبي إليه من أحب من خلقه، ومن تلك الأعمال المرضية التي هي من أسباب حفظ الدين والأمة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن حديثي في هذه العجالة ليس عن فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أمر عند أهل الدين معلوم، وعند أهل العلم مشهور، وعند عامة الناس معقول، ولكن حديثي عن الحاملين للواء العز والكرامة، في زمن ينادي فيه أهل الإهانة إلى إهانة الأخلاق، وابتذال الأعراض، وتفسخ بني الإسلام عن دينهم القويم، وانحرافهم عن منهجهم المستقيم.
حديثي عن رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه - نحسبهم والله حسيبهم -، هؤلاء الرجال هم الذائدون عن حرمة الدين، وحرمات المسلمين، فهم رجال لا كالرجال، بذلوا للدين أنفسهم، ولنصرة العقيدة مهجهم، رجال بلغوا الثريا بهمتهم، والعلياء بجدهم واجتهادهم فكانوا للأمة صمام أمان، ولحرمات المسلمين أمناء ناصحون، وللمبتلين - بقاذورات الأخلاق - جلباب حياء وغطاء ستر.
رجال ورب الكعبة حفظوا الأعراض وصانوها من عبث العابثين، وتحريض المحرضين، وابتذال المبتذلين، يضحون ويسهرون، ويغامرون ولا يخافون، ويستمرون ولا يملون، ويعملون ولا يكلون كل ذلك لأجل الدين وصيانة إعراض المسلمين.
رجال الهيئة وما رجال الهيئة غصة في نحور أصحاب الحناجر الضيقة، وألم في صدور أصحاب الصدور الحرجة، لا تترفع عن سبهم والنيل منهم شرذمة قليلون هم لأهل الحق مبغضون ومن فعلهم غائضون، كل ذلك لأنهم عارضوا ما له يهوون ويرغبون من شهوات وملذات محرمة عند رب العالمين .
هؤلاء الصادقون - كما نحسبهم والله حسيبهم - يبذلون ويعملون، ومع كثرة أعمالهم قد يخطئون وَيَزلُّون، وهذا أمر طبعي، فإنهم قوم ليسوا بمعصومين، وهذا يحصل في كل عمل يقوم به أي شخص من بني الإنسان، لكن مع هذا كله هم من المجتهدين المحتسبين، إذا أخطئوا أقروا، وإذا زلوا اعتذروا، وإذ فرطوا ضمنوا، فماذا يريد منهم المبطلون، وماذا ينقم منهم الباغون الظالمون.
إن للأمة مع هؤلاء الرجال وقفة إجلال وإكبار، إجلال لما يقومون به، وإكبار لما يبذلونه يوم أن عجز غيرهم عن مجاراتهم.
وهنا أوجه رسالة لكل مخلص صادق منهم، محتسب صابر، باذل مضحي:
أخي الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: لا يضيرك تخذيل المخذلين، ولا عَذْلُ العَاذِلين، فأنتم وربي الصفوة، فمن للأمة إذا فُتَّ في عضدكم المستقيم، وضعفتم أمام زبد الباطل المَهِيْن، وبهرجه الرجيم، فاثبتوا على ما أنتم عليه - ثبتكم الله تعالى - يقول الله العليم:{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ }[الرعد:17].
أخي: اعلم أنك في جهاد أمام الباطل وأهله، ومهما انتفخ الباطل وانتفش، فهو أمام صولة الحق ضعيف هزيل، وإن صدقتم في نصرة الله فقد وعدكم الله بنصره المبين، قال الله تعالى:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40].
إن كلمة الحق تأتي على الباطل فتدكدكه، وعلى المنكر فتبدده، وترهب أهله، وتذل حزبه، كل ذلك إذا كانت من صادقين محتسبين، عالمين عاملين.
وختاماً: يا من لم يدرك الركب، ويعمل مع القوم: ضع غرزك في غرزهم، واحرص على صحبتهم فإنهم هم الرجال فاصحبهم.
تَشَبَّهُوْا بِالْكِرَامِ إِنْ لَّمْ تَكُوْنُوْا مِثْلَهُمْ *** إِنَّ الْتَشَبُهَ بِالْكِرَامِ فَلَاحُ
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين